الحملة الانتخابية.. وعود من "عصر النبوة" إلى "عهد النسوية"

تقرير


 

بعد أسبوع من انطلاق الحملة الانتخابية، التزمت جميع الأطراف - حتى الآن - بقوانين اللعب النظيف، إلا ما كان من محاولة تسلل وأدتها صافرة الحَكم عند خط الملعب قبل تسجيلها!

جال المرشحون للرئاسة في أغلب ولايات الوطن، ووعدوا بما لم يُنجَز وأوعدوا المفسدين حاضرا ومستقبلا، وبدا أن وعود الانتخابات الحالية تدور حول الهدوء والأمل والتمكين..

ورغم تباين البرامج وتنابز المرشحين إلا أن هناك إجماعا على مكافحة الفساد يؤكد الإقرار من الجميع بوجوده وضرورة محاربته!

غير أن لكل مرشح معزوفته الخاصة.. منها ينطلق وعليها يركز!
 

الغزواني.. وعود قديمة بأسلوب جديد

ركزت خطابات الرئيس المنتهية ولايته على ثلاثية بارزة، رغم كثافة البرنامج الانتخابي الذي اضطرت حملته لتلخيصه إلى ربع حجمه وتحيينه.

وقد تصدرت تلك الركائز مسألة الأمن والحدود، ومكافحة الفساد، إضافة إلى استعادة الثقة في الشباب الذي يخوض غمار ميدان الهجرة، يأسا مما في بلده من خيرات، مدفوعا بما اعتبره غياب العدالة، ووطأة المجتمع الاستهلاكي الذي لا يرحم!

في الأولى شدد الغزواني على أن مقاربة موريتانيا الأمنية التي سبقت اهتمام المنطقة بالمشكل الأمني هي التي حمت البلاد من الاضطرابات، مؤكدا أن دول المنطقة تدرك جاهزية الجيش الموريتاني وقوة ردعه حين يتعلق الأمر بالمساس بأمنه وحدوده.

كما أكد بلغة جازمة تصميمه على أن تكون مأموريته القادمة فترة حرب لا هوادة فيها ضد الفساد والمفسدين، موضحا أنْ لا مكان لأي مفسد بينهم كائنا من كان!

وفي استخدام ذكي لتجربة تآزر التي تشكل حجر الأساس في إنجازات الرئيس الغزواني، خاطب المرشح الشباب ووعدهم بمندوبية على غرارها، وحتى لا يبقى كلامه وعودا انتخابية، حدد اسم الهيئة وصلاحية حدودها ومجالاتها.. لعلها تقنع من لا يزال على ضفاف الأطلسي الشرقية بالتريث حتى يستكنه الصدق في الموعود!
 

مرشح تواصل.. عودة إلى الجذور  

شبه كثير من شباب التيار الإسلامي حملة المرشح امادي ولد سيدي المختار بحملة التيار قبل واحد وعشرين عاما في عرفات حين انتزعوا أول منصب انتخابي لرئيسهم الأسبق محمد جميل منصور.

فقد عاد الإسلاميون كما بدأوا.. يحتمون بالفكر، وينادون بالمعتنقات.. بعيدا عن "إكراهات" السياسة ومجاملات "وحدة النضال".. وهو ما اعتبره البعض محاولة "انبعاث" جديد وارتكان لما يجمع "بيضة" الحزب بعد الانشقاقات المتتالية.

وعلى هذا المنوال كانت خطابات المرشح امادي تنضح بالمعاني الإسلامية، وحق الحلم حتى في دولة عصر النبوة، وتذهب بعيدا لدرجة أن تَعِد الأستاذ براتب الوزير.. وتتعهد بتقسيم لعصابة إلى ولايتين.. وكثير من وعود تسيل اللعاب.. لو وصل امادي للحكم.

 

بيرام: خطاب واحد.. وشعار ثابت

وحده المرشح بيرام ولد الداه بقي ثابتا على خطه السياسي، أسلوب حاد، وخطاب مباشر، وتهديد عنتري لمن يسرق أصواته.. ورغم "بساطة" خطابه إلا أنه الأكثر فاعلية وفعالية، ولعل ذلك يرجع إلى أسلوب بيرام الخاص به.. فلا يوجد هناك مرشح له أبهة، ولا مدير له حشم وخدم.. بل يعمل الجميع في الميدان.. وازدادت حملته هذا العام بتنظيمات شبابية يسارية ومستقلة نشطة على في المجالين الواقعي والافتراضي.

ركزت خطابات بيرام - التي تطبعها العفوية - على العدالة وتقاسم الثروة وتهديد "المفسدين" والسير نحو التحرر.

ورغم الزخم الإعلامي لمهرجاناته إلا أن برنامج بيرام الانتخابي المنشور يعيد من أكثر البرامج جراءة وقوة في الطرح، ويتكلم عن المساواة بأسلوب جارح وفهم خاص.. ولكنه مع ذلك يبقى رقما مهما يتوقع مراقبون أن يحافظ على وصافة الرئاسة التي انتزعها من بين أنياب مرشح تواصل قبل خمسة أعوام.
 

العيد وسومارى.. "الجيل الثالث"

رغم اصطفاف أغلب الزعامات التاريخية للمعارضة إلى جانب المرشح محمد ولد الشيخ الغزواني، إلا أن تلامذة هؤلاء حملوا مشعل مناوأة النظام الحاكم، وبدأوا في تنظيم صفوفهم في ما يمكن أن يطلق عليه الجيل الثالث من المعارضة الموريتانية، وأغلب هؤلاء هم شباب تأثروا بالحَراك الشبابي العالمي، وخرجوا من مدارس سياسية وفكرية متعددة.. وابتدأوا نشاطهم من سُوح وسائل التواصل الاجتماعي، وقد استطاع هذا التيار الشبابي تثبيت أقدامه في السلطة التشريعية، عبر انتخاب رموز منه في المأموريتين؛ السابقة والحالية..

وفي المعركة الرئاسية انقسم هؤلاء على مرشحَين؛ هما النائب العيد محمدن، والبروفيسور أوتوما سومارى.. ويمتاز خطاب الاثنين بالبعد النخبوي والنظرة العامة للدولة الفاضلة، دون أن تسندهم خبرة إدارية أو تيار ضارب الجذور.. رغم السمة اليسارية البارزة في جمهور الشباب الداعم لهما.. فضلا عن رعاية القيادية اليسارية كاديجتا مالك جالو لجزء من هذا الأخطبوط.

ورغم الحضو  الإعلامي لهذين المرشحَين إلا أن المراقبين لا يعتبرونهم سوى إسناد مهم لمرشحَي المعارضة القويين نسبيا؛ امادي وبيرام.